ــ 8 ــ
دخل الهاتف كل بيت ٍ في القرية . ودخل غرفة مبارك تحديدا ً .
ولم يسمح بوجوده في مكان آخر من المنزل . لكن .. لا حاجة إليه.
فقد اكتفين بالمذياع الصغير . يلتففن حوله من الثانية ظهرا ً بعد العودة
من المدرسة وإلى الحادية عشرة مساء . حتى أداء الواجبات لا يتم إلا
بمرافقة صوت مذيع أو مذيعة . على أن الصوت ينخفض جدا ً إن
كان لمطرب أو مطربة .
***
لم يكن يوما عاديا عندما نقل إبراهيم زوجته إلى مستوصف القرية
بعد أن سقطت عن السلم أثناء تـنـظف إحدى ثريات المجلس في منزلها .
.. قام طبيب المستوصف بتحويلها إلى مستشفى المدينة . إذ أن نورة
ذات الاثـنــيـن والثلاثين عاما ً تعاني من هشاشة في العظام . ومن
السكر . وارتطامها بالأرض أحدث لها كسورا ً عديدة .
***
إضافة إلى الحزن الذي يسببه بقاء الأم في المستشفى لأسابيع
في قلب البنتين . فإنه يعني أن تـظـل وردة وأميرة
في المنزل مع مبارك ووالدهما دون أن يجدن من كلمات والدتهن
ما يعينهن على احتمال قسوة الأوامر .. وحـِدة نبرات صوت أحد الرجلين .
تـتـسلى وردة أحيانا ً بقراءة الشعر أو كتابته .. وصار لديها
دفترها الخاص .. تـنـظـم فيه بعض قصائدها . تـخـبـئـه تحت وسادتها
ولا تـنـسى أن تأخذه معها إذا زارت أمها في المستشفى .
تضعه بين الملابس التي تحضرها لوالدتها . وتحضر أيضا ً بعض المجلات
القديمة التي تطالب صديقاتها بأن يحضرنها لها بدلاً من أن يرمينها
إذا فرغن من قراءتها .
جلست البنتان على طرف السرير الأبيض . يتحدثن مع الأم المنكسرة
بعد أن خرج مبارك لأن القسم خاص بالنساء . وبقي في الممر ينتظر
أميرة ووردة .
ــ أمي أحضرت لك ثوبا نظيفا ً . ومجلتين .
فـسألتهن الأم الطيبـة .
ــ كيف تسير الأمور في المنزل . هل يضايقكما مبارك .
ــ لا تقلقي يا أمي نحن بخير . كوني أنت ِ بخير .
. تناولت نورة المجلات وأخذت تقلب فيها .
كل العناوين غريبة .. تـتحدث عن الصيف . الشمس .. الشواطيء .
الناس . الطعام . الأزياء . الموضة . السفر . الفنادق .
وفي نهاية المجلة إعلان عن منتج كتب عليه . (ستشعر معنا بالسعادة )
ولمع السؤال في ذهن وردة .
ــ أمي .. ما أســعد يوم في حـيــاتـك ؟
نـــظـرت نورة إلى ابنـتـيـهـا بـحيرة .. ولم تجد إجابـة
يـتـبـع