ــ 4 ــ
فاتحت نورة زوجها في رغبتها بمرافقة ابنة جيرانهم إلى المدرسة
التي تم افتتاحها في قريتهم ..
تردد إبراهيم عدة أيام .. ولما اطمأن إلى أن رجال القريـة سمحوا
لبناتهم بالدراسـة وافق .. وبدأت نورة تــتـعلم حروف الهجاء
والحساب .. والسور القصيرة من القرآن الكريم ..
***
واســتـمر حالها مع ذلك الرجل .. يجثم فوقها كل مساء
سواء وجدها نائمة أو مستيقظة .. الأمر سيـّـان ..
ولا تـنجو منه إلا في حال شعر بأنه متعب من عمله .. أو كانت
هي في ظروفها الشهرية التي لا يستطيع معها اقترابا ً .
لم تـعد نورة تـتـألم .. أو تـهـتـم .. لقد اعتادت الإهانـة حتى باتت
لا تراها .. هل البدايات فقط هي الصعبـة ؟ ثم يعتاد المرأ على
أي شيء ..
***
مرت سنة ونـصـف قـبل أن تـضع نورة طفـلها الأول ..
كان المولود أنـثـى .. وللحق .. لم يغضب أحد .
اختارت نورة لطفلتها اسم منى .. فـقـد تابعت مسلسلا في الإذاعة
وكان اسم البطلة فيه منى .
ولم تكن نورة ذات درايـة بطريقة العناية بالمواليد .. لكن والدة
إبراهيم .. وأخواتـه .. وبعض جاراتها كن معينات لها حتى صارت
طفلتنا قادرة على العنايـة بطفلتها ..
على أن تلك العناية كان فيها الكثير من الأخطاء .. لكنها على كل حال
أفـضل مما كانت عليه من جهل كامل
ولم تـكن منى قد تجاوزت شهرها الخامس عندما اكتشفت
نورة أنها حامل للمرة الثانية ..
بكت كثيرا ً .. وتمنت أن يسقط هذا الجنين .. فالعناية
بالطفلة والزوج والبيت والمدرسـة ترهقها جدا ً .. ولا تريد مزيدا
من التعب ..
لكن حملها استمر .. وصار عندها طفلين .. منى ومبارك ..
هكذا سماه أبوه إبراهيم .. على اسم والده ..
***
مرت الأيام ونورة غارقـة في ما لديها من مسؤوليات ..
لا تجد وقتا للراحة .. فإذا سكت طفل بكى آخر .. وإذا
سكت الاثنان أتى الزوج .. وإذا سكت الجميع قامت إلى
إعداد الطعام .. وتنظيف المنزل .. وغسل ملابسها وملابس زوجها
وملابس الصغيرين ..
لذا فإن إتمام الدراسـة كان مستحيلا ً .. لكنها حفظت
بعض السور .. وصارت قادرة على تهجي الكلمات .
***
كبر الصغيران .. منى الآن في الرابعة من عمرها .
ومبارك في الثالثة .. وأمـهما في الرابـعـة عشرة ...
تـنـظر إلى المرآة فـتـرى أن فيها فتاة أخرى غير التي
غادرت قريتهم .. لم تعد طفلة .. هاهو صدرها قد تكو ّر ..
وصارت أطول قليلا ً .. وأكثر ارتواء ً ..
شــعرت بالخجل من نـفـسها عندما طبعـت قبلة على مرآتـها الصغيرة
وشــعرت أنها تريد أن تقـبـّـل ذاتها من جديد .. فـفـعلت ..
ثم انصرفت إلى أعمال منزلها التي لا تـنـتـهي ..
في المساء نام زوجها مبكرا ً كعادته .. ونام الطفلين .
فحملت مذياعها وخرجت إلى فناء الدار .. تـستمع إلى مسلسلاتها ..
والأخبار وبعض البرامج المتنوعـة .. في ضوء القمر ..
كانت تحب مذياعها كحبها لطفليها . إنه نافذتها على الدنيا كلها .
ولم تمر إلا دقائق قليلة عندما سقطت حصاة صغيرة على الأرض
بجوارها تماما ً .
كادت تصرخ .. رفعت رأسها .. فرأت شبحا فوق سطح الدار ..
ودون أن تشعر خرجت من صدرها شــهـقـة قويـة .
يـتـبـع