ــ3ــ
استـيـقـظت طفلتنا عندما ملأ نور الصباح الحجرة . وجدت نفسها
وحدها في الحجرة .. انتبهت إلى أنها ليست بين أخوتها الصغار
في بيت والديها . بكت فور استيقاظها .. لا تدري هل أبكاها شوقها
إليهم .. أم وحشتها من هذا المكان .. أم ألمها وخوفها مما جرى البارحة .
أم أن البكاء بسبب كل هذه الأمور مجتمعـة .
رأت الصندوق عند باب الحجرة .. قامت بتثاقل .. فتحتـه ..
وجدت به ثلاثـة ثياب نسائية مما كان يسمى ( المقطع ) وثلاثـة
سراويل ( خط البلدة ) وشيلة واحدة .. وبعض الحلي من الفضة .
أغلقت باب الغرفـة ولبست سروالا وثوبا جديدين .. وزاد فزعها
عندما نظرت إلى الثياب التي كانت عليها فرأتها تمتلىء بالدماء .
عندها أدركت أن البلل الذي شعرت به في الظلام البارحة كان دمها .
أما عن وجود بلل آخر غير الدم .. فهي أصغر من أن تكتشف
شيء كهذا ..
أغلقت الصندوق خرجت من الغرفة تستطلع المكان .. لكنها سمعت
صوت خطوات فأسرعت إلى ركنها تنكمش فيه .
دخل الرجل بيته يحمل بعض طعام جلبه من بيت أهله .
ـــ ما هذا يانورة ؟ ثيابك القذرة مرمية على الأرض .
خذيها واغسليها ..
قفزت الصغيرة إلى ثوبها وسروالها المرميين على أرض الحجرة
وحملتهما وقبل أن تخرج قال ..
ــ هل اغـتـسلت ِ أنت ؟ لم تـصلي الصبح .. أليس كذلك ؟ ولا العشاء البارحة.
اذهبي واغتسلي وصلي فروضك ثم اغسلي ثيابك وتعالي لتأكلي .
خرجت الطفلة لا تدري أين ستغـتـسل ولا كيف ستغسل ثيابها .
فهي لم تر َ من البيت سوى هذه الحجرة .
***
كان الوقت عصرا ً عندما كانت في الحوش الترابي وسط المنزل
تفكر في طريقة للهرب .. ليس إلى مكان ..
لكن يجب أن لا يحل الظلام مجددا ً وهي هنا . فخوفها يتضاعف
كلما اقتربت الشمس من وقت الغروب .
طرق أحدهم الباب ونادى بصوت عال ٍ
ــ يا إبراهيم ..
خرج زوجها من الحجرة وأشار إليها أن تدخل . وفتح الباب لصاحبه
ظلت نورة تسترق السمع إلى حديث الرجلين حين دخلا المجلس
المفروش بـزولية صغيرة وحول جدرانه مساند حمراء من التي تم حشوها
بالنجارة
ــ كيف حالك يا إبراهيم .. وكيف حال عروسك وأهلها .
تساءلت الطفلة .. هل اسم زوجي إبراهيم .. كنت أحسبه عبد الرحمن.
لم يسـؤها الأمر . لا فرق بين الأسماء .. المهم هو كيف تعود إلى
إخوتها الصغار ووالديها ..
تـناولت شرشفا ً صغيرا ً كان في الغرفـة .. ثـنـتـه عدة مرات
إلى أن تمكنت من حمله بين ذراعيها كما تحمل النسوة أطفالهن .
تلعب به بدلا ً من دميتها الخشبية .
أخرجت الشيلة من الصندوق ولفتها حول الشرشف لكي يكتمل
منظر الطفل اللعبة ..
وبعد أن تعبت من اللعب .. وضـعـتـه في ركنها وتمددت إلى جواره
احتـضنـتـه وصارت تحدثـه إلى أن نامت .
بقي الرجلان في المجلس إلى أن حان موعد صلاة المغرب ..
ثم خرجا لأداء الصلاة .. ولم يعد إبراهيم إلا بعد أن أدى صلاة العشاء
أيضا ً ..
صرخت الطفلة هذه المرة بـصوت عال ٍ عندما استـيـقـظت وهذا الرجل
يجثم فوقها .. لا تدري لماذا تـتـسارع أنفاسـه وحركته . وظنت
أن صراخها هو ما جعله يتوقف ثم ينقلب عنها ويتجه إلى فراشـه .
ظلت تبكي طوال الليل .. فألمها هذه المرة لا يحتمل .. لأن جرح
البارحة لم يشف بعد .. فكيف إذا تجدد .
إنكسار هذا الذي تشعر به .. أم خوف .. أم كره للرجل والمكان
والأهل الذين سلموها له دون سبب تعرفـه .
ــ لماذا لم أتزوج رجلا ً طيبا ً .. كزوج حليمة .. لم تخبرني حليمة
أن زوجها سيء .. لم تقل أنه شرير .. ربما هو شرير كزوجي
لكن حليمة لم تـخبرني .. عندما أعود قريتنا سأسألها .
وظلت في انكسارها وألمها حتى الصباح ..
***
جاءت والدة إبراهيم وأختـه ذات نهار .. يعلمانها كيف تطبخ طعامه
وكيف تغسل ثيابـه .. وكيف تنظف بيته ..
لم تـتـساءل لماذا .. ولم تـطلب ثمنا ً لهذا كله ..
بل أتقنت كل ما تعلمتـه .. وظلت فكرة الهروب تراودها بين
وقت وآخر .
لـقـد تحولت إلى جاريـة ٍ في النهار .. ومومس ٍ في الليل ..
تـعيش مع رجل ٍ لم تـتعرف على اسمه إلا من خلال مناداة الآخرين له .
ولم تـسـتـشـعر معـه أمانا ً ومحبـة .. بل خوفا ً وذل .
تـخدمـه في النهار .. وتـتـمدد تـحـتـه في الليل .. ولا تدري
من قبض الثمن ..
كان إبراهيم في عمله ذلك الصباح عندما فاجأها دم يخرج منها .
لم تكن قد سمعت عن البلوغ .. ولا تدري لماذا عاود الدم الخروج
مع أن زوجها غير موجود الآن ..
ورافق حيرتها وجود آلام في بطنها جعلتها تأوي للفراش إذ أنها
لا تستطيع الوقوف .
علمتها إحدى جاراتها كيف تـتـصرف . بعد مرور يوم كامل من الألم
والخوف والذهول .. وأخبرتها أنها بهذا دخلت عالم النساء . ولم تعد طفلة
ظلت نورة تشعر بالتمزق في داخلها .. والألم في جسدها .
واكتفى ابراهيم بتركها وشأنها لأنه لا يجوز أن يعاشرها في
مثل هذه الأيام مع أنها بأمس الحاجـة إلى من يحتوي كل ما بداخلها
من مشاعر سلبية .
يـتـبـع