[معلومات العضو حفيدالدواسر]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العلنطي

صنم القبيلة

د. عائض القرني


أكثركم شاهد مهرجان الشعراء وافتخارهم بقبائلهم وأنهم ذبَّاحة القوم وأنهم يصبِّحون الأعداء بالبارود وأنهم لطّامة الخشوم، والمقصود طبعاً القبائل المجاورة من المسلمين المحرّمة دماؤهم وأموالهم وترويعهم؛ لأن القبيلة لم تقاتل إسرائيل ولا روسيا ولا الصين، وافهموا الرسالة ومعناها: أن قبيلتنا هي أفضل القبائل وأشجعها وأكرمها وأنها كانت قبل توحيد السعودية تهزم القبائل المجاورة وتحتل أراضيها وتنهب إبلها، وافهموا الرسالة: أن القبيلة صاحبة المهرجان لا بد من أن يحسب لها ألف حساب، فهل كانت الحروب هذه في سبيل الله؟ علماً بأن هذه القبائل لم يحضر منها أحد في معركة بدر ولا أحد ولا القادسية ولا اليرموك وإنما المقصود الغارات والنهب والسلب الذي كان قائماً قبل مشروع الوحدة، ويستمر التأجيج والتصعيد والتحريض وتهميش القبائل الأخرى مع سكوت من المسؤولين والعلماء ورجال الإعلام والفكر، وأول النار شرارة كما قال نصر بن سيّار:
* فإن النار بالعودين تُذكى ـ وإن الحرب أولها كلامُ .

وأعرفُ أن بعضهم إذا قرأ هذه المقالة سوف يقول: هوّلت الأمر، وضخّمت الحدث، ولكنني قرأتُ التاريخ بتمعُّن، فإذا ببعض الأحداث الصغيرة البسيطة التافهة التي لا يُلتفت إليها كانت هي الفتيل لأزمة كبرى ومعركة طاحنة، وقد استمعتُ إلى غالب القصائد التي أُلقيت فإذا هي تتحدث عن حقبة زمنية سابقة، وإذا هي تكرّس التفاخر بالقبيلة على حساب القبائل الأخرى وتعميق العصبية والنعرات الجاهلية، وإذا استمرت هذه النعرات فسوف تنشأ عندنا بوادر لحرب أهلية سوف تتم تدريجياً مع السنوات (وأول الغيث قطر ثم ينهمرُ)، وسوف يتجرأ الشعراء مع قلة الوعي وضعف الذمة على التحرش بالقبائل الأخرى وإعادة ذكريات الغزوات الجاهلية والثارات القبلية والعنصرية القبيحة التي أتى الإسلام لمحاربتها، ثم تقوم القبائل الأخرى بالرد والتصعيد، ثم تبدأ المهاترات والمناوشات، ثم الاشتباك بالأيدي ثم اللطم ثم العض ثم اللكمات ثم السلاح الأبيض ثم الرشاش:
* نظرةٌ فابتسامةٌ فسلام ـ فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ .

أفيقوا أيها الناس وتذكروا نعمة الله عليكم بالإسلام وتوحيد الكلمة وجمع الصف تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وابتعدوا عن تمزيق البلاد وإضعاف الوحدة وإيغار الصدور وزرع بذور الفرقة والفتنة (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ(، واقترح أن يكون هناك (مزاين للعقول المبدعة) يُكرم فيه الموهوبون والمتميزون في العلم والأدب والعلم والإنتاج والوظيفة وحسن الخُلُق، فتكريم الإنسان أعظم من تكريم الحيوان، وبعض الأمم سافر أبناؤها في المركبات الفضائية يكتشفون الفضاء إلى عطارد والمريخ وما زال بعض شعرائنا يمدح قبيلته بأنها كسرت خشوماً، ولطمت وجوهاً، وأذلّت قوماً، وهزمت آخرين، وفرضت احترامها على القبائل، وكل الناس يهابونها، بينما ثلاثة أرباع القبيلة في الضمان الاجتماعي، والعقل نعمة لكنه لا يرتقي إلا بعلم، وأعوذ بالله من هذه النعرات كيف حقّرت ما عظّم الله، وعظّمت ما حقّر الله، فالله حقّر العصبي ة الجاهلية والفخر بالأنساب والطعن في الأحساب، وعظمّ سبحانه دينه وكتابه وسنة رسوله ? وأخوة الإيمان وجمع الكلمة، فعكس هؤلاء أمر الله بجهلهم واتباعهم أهواءهم (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) .

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . الأخ الكريم (( العلنطي )) . بارك الله بك ونفع بك كل مسلم . تحية إعجاب ٍ مني إليك ياعزيزي وحبّة خشم على جبينك خذها مني ولو عبر الفضاء . وأسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على مثل هذا النقل والموضوع الرائع جدا ً جدا ً جدا ً ، والله لايحرمك الأجروالثواب ، ويبارك فيك ، ويكثر من أمثالك الذين ينقلون مثل هذا الكلام الطيب والرائع والواقعي . وأما بشأن ماكتبه الشيخ الفاضل الدكتور ( عائض القرني ) فماذا عساي أنْ أقول عن مثل هكذا قول ، سوى أنّه ُيشرحُ القَلْبْ ويُذكِّرُ العَقْل ويُوعّي القلوب الغافلة . اللهم بارك لنا في عمر هذا الشيخ العالِم ، وأكثر من أمثاله في الأمة ، وانفع بعلمه النافع وعمله الصالح كلّ المسلمين وكلّ من يسكنُ على أرض الله. فهو من دعاة الخير ، ومن أهل الخير ــ نحسبه والله حسيبه ولانزكي على الله أحدا ــ ولافظّ فوك أيها القرنيُّ . ولن أوفي هذا الموضوع حقه في هذا الوقت القصير والمشاركة التي أكتبها على عجَل ، ولعلّ الله أن ييسّر لي عودة ً أخرى إن شاء الله . مثل هذه المواضيع تستحق أن تُنشَر وتُذاع في كلِّ مكان ٍ وفي أيّ زمان. واسأل الله أن ينفع بمافيها من خير ٍ كلّ مَنْ قرأها ، ونشرها ونقلها . تقبّل تقديري وإحترامي لشخصك الكريم ، ولنقلك الرائع والمبدع .ومزيدا ً من الإبداع والتطوّر في كتابة ونقل مثل هكذا مواضيع . أخوك والداعي لك بالخير ( حفيد الدواسر ) . خاطرة / يقول الشاعر العربي القديم : لــَسْـنَا وإنْ أحْسَابـُنا كـَرُ مَتْ *** يوما ً على الأحسابِ نتّكِلُ نبْني كما كانت أو ائـِـلُـنُــا ***تبْنِي ونفْعلُ مثلما فعلوا وحول هذين البيتين يسرني أن أورد قصة ً معبّرة ًمن باب ذكر تفاؤل المسلم وعدم إعتماده فقط على حسبه ونسبه وفعل آبائه وأجداده ، فقد جاء في كتاب ( تاريخ شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز ) للمؤرخ العلامة خيرالدين الزّرِكْلِي ــ رحمه الله ــ تحت عنوان جانبي صغير " فوق مافعلوا ! " فقال مانصه : (( وذكر الريحاني أنه رأى على باب القصر الملكي بيتاً معروفا ً من الشعر ، وهو : لسنا وإن أحسابنا كرمت *** يوما ً على الأحساب نتّكل فقال للملك : هذا مبدأ شريف يامولاي ، ولكن البيت الثاني : نبني كما كانت أوائلنا *** تبني ، ونفعل مثل مافعلوا فقال الملك : نحن نبني يا أستاذ كما كانت أوئلنا تبني ، ونفعل ( إن شاء الله ) فوق مافعلوا .. )) .أ.هـ . [ انظر : المصدرالسابق أعلاه ؛ المجلد الثاني ؛ الجزءالثالث ؛ ط (5) 1992م ؛ طبعة دارالعلم للملايين ببيروت ؛ ص(1062) ]. وهذا ــ والله أعلم ــ من تفاؤل وحُسن ظنّ الملك عبدالعزيز بالله أولا ً ثم بشعبه الكريم، رحمه الله وجميع موتى المسلمين .