خرجت يومًا من المنزل فرأيت مجموعة من المراهقين (من إخوة وأقارب وجيران) قد انفردوا بأنفسهم بعيدًا عن أسماع الناس، مع حرص بأن يكونوا بعيدين عن أعينهم ما استطاعوا.
لا أحب أن أكون من المسيئين في ظنهم بشكل عام، لكنني لا أحب–كذلك– أن أكون ساذجًا سطحيًّا أمر بمواقف يلزم فيها الشك من باب الحرص على إثبات ألا يكون هذا الشك حقيقة وواقعًا، أو إزالته إذا كان كذلك؛ تلك الأعين المراهقة التي ترى أبصارها شاخصة نحو الجوال؛ دليلا على متابعتها لمقطع ما، مع كتم للصوت، وانتقال البصر بين الحين والآخر من حوله؛ لتنظر هل انتبه لها أحد يُخاف منه، فما إن تفاجئهم بقدوم سريع وغير متوقع (ويبدو واضحًا أنه غير مرحب به كذلك)، حتى تحمرّ الوجوه، وتتعلق الأبصار مباشرة نحو الجوال، وتتحرك أناملهم بتوتر لتقفل شيئا ما فيه.
سلمت عليهم، وسألتهم عن أحوالهم، ثم بدأت الحديث سائلا أحد الأقارب عن مقطع قديم جدا كان في جواله، فكانت الإجابة -كما توقعت- أنه قد حذف ذلك المقطع من قديم، فقلت لهم: لا بأس، هناك حل سهل جدا لهذه المشكلة. جئت بحاسبي المحمول، وقلت لهم: الكومبيوتر يستطيع أن يسترجع جميع المقاطع التي سبق وأن مرت على الجوال، ثم أوضحت قصدي وهدفي وقلت: أعطوني جوالاتكم الله لايهينكم.
بدا الارتباك يظهر على وجوههم، والتوتر يغمرهم، بقدر ما رحمتهم، بقدر ما أرى أن جعْلهم في هذا الموقف المهين من صالحهم، فالهوان قد يُصلح كما يذكر أهل الحكمة.. وغير كذا اسألوني أنا!.
أعذار تخرج مع الأنفاس المتوترة: (أنا سويت فرمتة للجوال... لا، يمكن يخرب الجوال أو تروح المقاطع..) أحد الأقارب "خرَّبها" فقال: لا. رافضا استرجاع القديم من المقاطع بلا حجة وعذر، ماعدا أحد أولاد الجيران والذي قدم لي جواله بثقة.
لم أشعر بالغضب؛ بل بالمسئولية، حدثتهم بلهجة أظنها واثقة، ونصحتهم بما أستطيع، أسأل الله لي ولهم الهدى والصلاح.
في الجامعة، في مطعم الجامعة تحديدًا، أرى أنني أستعيد مشهد تلك الأعين الشاخصة نحو مقاطع قد كتم صوتها، ثم إنها النظرات نفسها التي أبصرتها في أعين أولئك المراهقين، لكن يبدو أننا أمام مراهقة متأخرة، أشعر بألم شديد حين أرى المشهد يتكرر أمامي، دخلت في جدال مع الإخوة في مطعم الجامعة حول خطورة ترك البلوتوث مفتوحا في مثل هذه الأمكنة المزدحمة، فقلت لهم: هل هناك احتمال بأن تُرْسَل لك مقاطع (صور أو أفلام أو قصص) إباحية في هذا المكان المزدحم.
رد المنصفون : نعم.. ممكن جدا.
قلت: فمتى تتأكد أن هذا المقطع إباحي؟
رد أحدهم: إذا عاينته بنفسك.
فقلت: كم نظرة فتكت في قلب صاحبها **** فتك السهام بلا قوس ولا وتر .
الغريب أنه لما انتشرت الفيروسات التي تنتقل عبر البلوتوث حَرِص الجميع على إقفال هذه الخاصية في الأمكنة المزدحمة، فإذا سألتهم ردوا عليك: أن هناك احتمال بأن تستقبل الفيروس!.
مالنا نخشى على جوالاتنا ولا نخشى على قلوبنا؟!
أقبح من ذلك أن نسمي جوالاتنا بأسماء غير لائقة، من ناحيةِ أنها ترسلُ رسالة (غير مباشرة وقد تكون متعمدة أو غير متعمدة) لأصحاب البلوتوثات التي لا يأتي منها إلا الشر: (أرسل حلو يجيك أحلى).. ونحوها، كلمات ربما تأتي لك بالخير لكنها تأتي بالشر كذلك، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.. وكل يعرف مقاصد نفسه جيدا، والعبرة بمن يرجو لله وقارا.
وصلى الله على الحبيب وسلم.
ألثائر الاحمررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررر رررررررر