الاميرة سارة بنت أحمد بن محمد السديري:
ولدت سارة على وجه الترجيح في العقد السابع من القرن الثالث عشر الهجري، في الاحساء نظرا لأن والدها أحمد بن محمد السديري كان اميرا عليها من قبل الإمام فيصل بن تركي (1250 - 1254ه/ 1834 1938م) (1259 1282ه 1843 1865م) حتى وفاته عام 1277ه 1868م, وكان والدها قبل توليه إمارة الاحساء قد تبوأ مناصب إدارية اخرى، كما كان له إسهامه العسكري، وتتجلى في سيرته المواقف الجليلة، والشجاعة الفائقة، والخدمات الانسانية، ورعاية الادب، خاصة الشعر منه.
وقد سار إخوتها محمد وتركي وعبدالمحسن وعبدالعزيز وسعد وعبدالرحمن على سيرة والدهم عملا وخلقا، فكان لبعضهم اسهام في خدمة الدولة السعودية الثانية في مواقع ادارية مختلفة بين جهات عمان والاحساء وسدير والقصيم، إضافة الى مشاركتهم العسكرية، اما عن اخواتها فقد وقفنا على اسم اثنتين منهن هما نورة وفلوة.
ورغم اننا لم نقف على معلومات عن والدتها الا ان صفات ابنائها تعكس ما كانت تتسم به هي الاخرى من صفات حميدة.
وفي هذه البيئة نشأت سارة, رغم انها لم تتلق اي قدر من التعليم، عندما بلغت سن الرشد اظهرت ما يدل على عمق تربيتها وحسن توجيهها، فكانت من اكمل النساء عقلا وتدبيرا، إضافة الى إبداعها الشعري.
ووصفت بالجمال وطول القامة، وأشار الى ذلك جملة من الذين تحدثوا عنها فيقول احدهم: كانت امرأة طويلة، وان منها جاءت النوعية المميزة لطول القامة بين السعوديين .
ويقدم آخر معلومة اكثر تفصيلا عن سابقيه فيقول: كانت والدة عبدالعزيز سارة بنت احمد السديري، امرأة فارعة الطول ذات بنية كبيرة كغيرها من افراد عائلة السديري، ويقال: ان عبدالعزيز ورث قامته المديدة وبنيته الكبيرة عن امه .
وكانت سارة قد تزوجت من عبدالله بن احمد بن عبدالجبار، ولم تنجب منه ويذكر محمد جلال كشك ان زوجها حملها مسؤولية عدم الانجاب فطلقها، غير ان احدى الوثائق الخاصة بسارة تشير الى انه توفي عنها، وانها ورثته.
وبعد وفاته تزوجت بالامام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي، فتمنت على ان يرزقها بالولد فيساوي الدنيا وما فيها ، وقد استجاب الله دعاءها وفأنجبت فيصلا ثم نورة ثم انجبت عبدالعزيز سيد جيله، ثم يزة وهيا وسعداً.
ويوضح زواج اختيها نورة من جلوي بن تركي بن عبدالله، وفلوة من محمد بن فيصل بن تركي، الى جانب زواجها هي نفسها من آل سعود عمق الصلة التي تربط بين اسرة السديري وآل سعود، وانها صلة قديمة توثقت فيما بعد بشكل اكبر بزواج آخرين من آل سعود من بنات ينتمين الى هذه العائلة.
وعملت سارة على تربية ابنائها وتوجيههم الوجهة الصحيحة، واعدتهم الاعداد الملائم لتحمل التبعات في مستقبل الايام.
وتبدو لنا فضائل خلق سارة في المواقف التي عصفت بأسرتها بعد موقعة المليداء عام 1308/ 1891م، فقاسمت زوجها الإمام عبدالرحمن الاغتراب عن الوطن حيث تجملت بالصبر، ورقت بشمائلها وتقواها، غير آبهة بزينة الاميرات فكفلت زوجها في ترحاله، واحاطت ابناءها بعنايتها ورعايتها.
ويظهر خط سير الامام عبدالرحمن ورحلته الطويلة التي بدأت من خروجه من الرياض حتى استقراره في الكويت، عظم موقف سارة وقوة احتمالها،و مؤازرتها لزوجها، وتحملها الصعاب معه، إذ تبين الفترة التي قضتها في الصحراء مع اسرتها في منازل آل مرة والعجمان، بين يبرين والاحساء، ما ذهبنا اليه، وعندما شعر الامام عبدالرحمن بصعوبة حياة الصحراء على نساء اسرته، بعث بهن الى البحرين وفيها عاشت آمنة مع بقية نساء الاسرة، ثم انتقلت معهن الى قطر، ومنها الى الكويت حيث سكن الامام عبدالرحمن واسرته في منزل متواضع يتكون من ثلاث غرف لا يقاس بجانب القصر الذي عاش فيه مع اسرته في الرياض.
وفي الموطن الجديد واصلت سارة رعاية ابنائها واهتمامها بهم، وفي تلك الفترة سعت الى تزويج ابنها عبدالعزيز فبحثت له عن زوجة ووقع اختيارها على بنت الفكري.
وعندما عزم عبدالعزيز على استعادة ملك آبائه واجداده، وجد في والدته خير معين وسند له، وتجلى ذك منها في موقف حمل كل معاني التضحية والاقدام، اذ طلبت من والده ان يسمح له بتكرار المحاولة، عقب فشل محاولته الاولى لما لمست منه من إصرار وعزيمة وهي بين عاملين: حب الابن والاشفاق عليه من تلك المغامرة، او النزول على طلبه، لفتح الباب له على مصراعيه وبعد ان اكمل عبدالعزيز استعداداته لينطلق من الكويت، ذهب الى امه ليودعها، وهنا جاش في صدرها حنان الأم وتغلب عليها الخوف عليه، فبكت بكاء حاراً.
وحاولت ان تثنيه عن قصده غير ان اخته نورة شجعته.
وقد اشار الى دور سارة في مسيرة ابنها، بعض من كتب عن الملك عبدالعزيز، فوضحوا تأثره بها، وفضلها في توجيهه، كما ان الملك عبدالعزيز ذاته كان يذكرها ويشيد بما كان لها من فضل عليه في كل مناسبة,وتوفيت سارة في الرياض في أواخر عام 1327ه/ 1910م.
منقول