::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - ابن جلق و ميميته في رثاء زوجته

ابن جلق من شعراء الزبير الذين نالوا حظا من الشهرة، ورغم هذ هالشهرة لم يصلنا عنه إلا النزر اليسير. كثير ممن دونوا له قصيدته الشهيرة في رثاء زوجته لم يذكروا عنه سوى اسم شهرته " ابن جلق". ولعل هذه القصيدة لقيت شهرة بعد أن تغنى بها الفنان الشعبي سعد جمعة وإن كان اختزلها اختزالا أضر بها..
و يروي بعض الرواة أن اسمه عيسى بن حمد ابن جلق. و نعرف عنه أنه كان صائغا من أهل الزبير وكان شاعرا نبطيا يمتاز شعره بكثرة الألفاظ الفصيحة، ومن قصيدته الوحيدة التي استطعت الإطلاع عليها يتضح لي أنه كان مثقفا وله اطلاع على كثير من المعارف. و كان له صحبة مع الشاعر الكبير ابن لعبون والذي نظم فيه قصيدته الشهيرة حينما أتته فتاة لتشتري مصاغا وبينما تحاول تفحص الحلي انكشف وجهها فلما رآه ابن جلق فتن بها حتى أنه بدل من ضرب المعدن أهوى بالمطرقة على يده دون أن يشعر.. ومطلع قصيدة ابن لعبون:

ماطرق فوق الورق يبن جلق
زور كف فوق كف مايليـق

أما قصيدته التي سأوردها لكم فهي من عيون الرثائيات في الشعر النبطي. و يروي رواة الزبير أنه كان في بغداد يقضي حاجة له هنالك ، وفي ليلة من الليالي وبعد صلاة العشاء طرق الباب عليه طارق ليخبره بوفاة زوجته وكان يحبها حبا عظيما. و يذكر في مرثيته أنها دفنت في مقبرة الزبير بجوار الحسن البصري وابن سيرين.

وكان لهذا الخبرأثرا شديدا عليه، فبث أحزانه وأشجانه في ثنايا هذه المرثية المغرقة في الحزن.
و أترككم مع المرثية:

1 زارني عقب العشاء ضيفٍ يقـول
انتبـه ياشيـن مثلـك مايـنـام

2 لو دريت بما جرى شـيٍّ يهـول
كان حاربت الكرى عشرين عـام

3 قلت انا باسألك في رب الرسـول
وش جرى ياشين من خبث العلام

4 قال: يفداك الغضي زيـن الدلـول
شرب كاسٍ فيه مزجوج الحمـام

5 قلت: راعتك الدواهي مـن يقـول
من تسنّد عنه منضـوح الكـلام

6 قال: انا مريت يوم السبت ضـول
عنـد بابـه للرعابيـب ازدحـام

7 صابني رعبٍ ودزيـت الرسـول
باغـيٍ علـمٍ الـى قِلّـب تمـام

8 أسمع أمه عند تفصيخ الحجـول
والخـزاري والأهلـة والـزمـام

9 تندبه بالصوت واسمعهـا تقـول:
ليت اخو وضحا كشف عنها اللثام

10 شوف عيني يوم قـرّب للغسـول
والطوايق فصلوهـن لـه حـرام

11 فزّن الخفـرات مامعهـن عقـول
لاجـاتٍ بالـمـوادع والـسـلام

12 ثم شالوها اربعـه منهـم فحـول
عـزوةٍ مابيـن خـالٍ والعـمـام

13 واعبروا بـه للمصلـى للقبـول
كاتفيـنٍ كلهـم خلـف الامــام

14 يطلبون اللـي بعرشـه مايـزول
روضةٍ قبـره وطيبـا لـه مقـام

15 في فضـا روضٍ مقـرٍ للسيـول
بين(ابن سيرين) والصحب الكرام

16 في جوار الصحب قبلـي النـزول
عن(حسن بصري) وشرقه له مقام

17 واحفروا له حفرةٍ بالقـاع طـول
قامـةٍ والعـرض شبريـنٍ تمـام

18 وسّدوها عقـب ديبـاج الزلـول
لبنةٍ فـي وسـط مطـوّيٍّ هـدام

19 هلهلوا فوقـه حفيـره والتلـول
والنصايب ركّزوهـن لـه عـلام

20 شوف عيني والظبا حوله تجـول
باشـرن قبـره بحـبٍ والتمـام

21 والطيور الطايره من كـل جـول
ظللن قبر الغضـي مثـل الغمـام

22 والفواخت عقب هاذيـك العقـول
يرفعن الصوت هن ويّـا الحمـام

23 قمت انا رعبٍ وبادرتـه بقـول:
كف يالملعون عن باقـي الكـلام

24 مادريت ان القمـر نـوره يـزول
كيف يدفن بالوطـا بـدر التمـام

25 لو رسول الموت تكفيـه البـدول
كان اسوق البيض وادرك للمـرام

26 كان نرخص له عطيّـاتٍ جـزول
من عزيز المال لو يغلـى مسـام

27 لو لكم ياللـي تلومونـي عقـول
كان شفتوا حـال مثلـي مايـلام

28 كالجرايد ما اقـوم مـن النحـول
مبقى بي غير روحـي والعظـام

29 يعتنـي بالحـال ربٍ مـايـزول
مـن ثنـا ربٍ عظيـمٍ مـايـرام

30 والصلاة لسيـدي طـه الرسـول
وادعى الله محـرمٍ عنـد المقـام

و القصيدة فيها ابداع سبق به ابن جلق شعراء النبط في أسلوبه الرثائي التجديدي، فالشاعر أبدع في استخدام الحوار بينه وبين ذلك الضيف أو الطيف بحسب رواية اخرى تروي الشطر الاول هكذا:
زاري عقب العشا طيف يقول ، و أنا شخصيا لا أميل إلى قبول هذه الرواية، و كان هذا الحوار الذي ضمنه ابن جلق مشاعره التي استقبل بها خبر وفاة زوجته ، ليخلص إلى تصوير مشهد للحدث الحزين في الزبير على لسان ذلك الضيف، فينقلنا بتصويره المبدع إلى حارة من حواري الزبير ، حيث يمر ذلك الضيف فيرى تجمعا عند بيت ابن جلق ، ثم نتبين أنه اجتماع لوفاة زوجته حيث ان الضيف قد أرسل رسولا لتبين جلية الأمر ويبدو أنها زوجته ، وفي هذا دلالة على أن مجتمع الزبير كان مجتمعا محافظا..
ثم يبدع الشاعر في رسم مشهد جنائزي مليء بالحزن و نسمع أم زوجته تتمنى لو كان ابن جلق حاضرا.
ثم يصور ابن جلق بدقة مراسم الجنازة و يحدد مكان قبرها في مقبرة جاورت فيها الحسن البصري و ابن سيرين.
و في نهاية القصيدة نجد أنه يستدرك مبينا لمن سيلومه لرثائه زوجته- و العرب عادتهم كره رثاء الزوجة و هذا من بقايا الجاهلية التي تحتقر المرأة و تعتبرها عبء لا يستحق الحزن عليه- بأنهم لو أصابهم ما أصابه لما لاموه أبدا. و في ختام القصيدة نجد الشاعر يلجأ لربه كي يعينه في مصابه و يثني عليه سبحانه بما هو أهل له و بما يستحقه من ثناء جل وعلى، و يختم القصيدة بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم.

منقول