ورحل رجُلُ الخير
هذه سنة الله في الحياة انه ما من إنسان الا وسيموت الا ذا العزة والجبروت «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام»، ولن يبقى احد على هذه الدنيا الا وسيأتيه اجله، واذا جاء فلا يقدم ولا يؤخر. وقبل ايام فقدنا رجلا من اهل الخير، الرجل المعطاء، الرجل الذي كان يحاول اخفاء اعماله حتى ان الكثير لا يعلم بجوانب حياته الخيرة الا ما ظهر له، وما ذلك الا لحرصه على ان يكون عمله لله عز وجل. انه العم عبدالله يوسف العبدالهادي رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
في بداية الامر اشكر الدكتور عبدالمحسن الجارالله الخرافي على مبادرته الى كتابة جوانب من حياة رجل الخير على صفحات جريدة «القبس» الغراء، فله كل الشكر والتقدير، والمقصود من نشر جوانب من حياة اهل الخير ليس التفاخر بل الاستفادة من حياتهم والسير على نهجهم لمن اراد النجاة في الدنيا والآخرة، هذا الرجل ــ رحمه الله ــ حوت حياته جوانب ايجابية كثيرة، فمن اعظمها بره بوالديه، فقد احتواهما في بيته ورعاهما حق الرعاية الى ان توفاهما الله سبحانه، لذلك كان له التوفيق في حياته بسبب بره بوالديه، فالسعيد والله من وفق الى البر بوالديه، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم «أي عمل أفضل قال إيمان بالله ورسوله ثم بر الوالدين». ومن جوانب حياته المشرقة حرصه على تربية اولاده، فقد كان مهتما بأولاده اهتماما شديدا وكان حريصا على ان يكملوا مسيرتهم التعليمية وان يكونوا ناجحين في حياتهم العملية، بل كان متابعا لهم، وهذا الامر اشهد به وانا ابن اخيه، فقد كان يتابعني منذ انهيت المرحلة الثانوية وكان حريصا على ألا أقف عند هذا الحد، وكانت لي رغبة في استكمال دراستي الجامعية في المملكة العربية السعودية، فوقف معي وشجعني بل وتابعني الى ان تخرجت في الجامعة والحمد لله، وأسأل الله ألا يحرمه الاجر والمثوبة يا رب العالمين. وهذا انما يدل على حرصه على الخير بل يكفي أن يتصل بك وانت في الخارج ويسألك عن احوالك، هذا يكفي لشحذ الهمة على المثابرة والتفوق، كما كان، رحمه الله، متتبعا لاحوال جيرانه يسأل عنهم وعن احوالهم ويصلهم ويتفقد حاجاتهم، بل كان محبا لهم لا يقبل عليهم كلمة كما لا يقبلها على اولاده، وكان، رحمه الله، متتبعا لاحوال كبار السن يسأل عنهم ويزورهم، وكانت له اياد بيضاء في اعانة الكثير من المحتاجين الى العلاج في الخارج، وكان حريصا على عيادة المريض، فما ان يبلغه خبر احد معارفه انه الم به المرض الا بادر لزيارته، وهذا من حق المسلم على المسلم، الذي حث عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى ما في زيارة المريض من الاجر والمثوبة عند الله، فكانت حياته صفحة بيضاء بل كان متتبعا لاحوال الفقراء والمساكين، وكان يسأل عن حاجياتهم، بل كان يتحمل تكاليف سفر كثير منهم، كما كان يشعر بحال الفقير وحاجته مع دخول شهر رمضان، وكان حريصا على افطار الصائم، وللعلم لم يكن يفطر في بيته في رمضان بل كان حريصا على افطار الفقراء في المساجد ويحرص على تقديم الطعام لهم بنفسه، كما يعلم ذلك من شاهده في كل رمضان في مسجد التركيت في الخالدية، وفي كل سنة لا تدخل العشر الاواخر الا وهو في بيت الله الحرام الى ليلة العيد، وهناك حدث ولا حرج عن الصدقة وافطار الصائم، بل كان يستأجر شقة غير التي يكون فيها لاصحابه واقاربه ولمن اراد العمرة في العشر الاواخر، فوالله ان القلم ليعجز عن ذكر محاسن هذا الرجل الكريم المعطاء المحب للخير، وحب الناس له كان اكبر دليل على مسيرته الخيرة، وكان حريصا على بناء المساجد والمراكز الاسلامية وأسأل الله ألا يحرمه من اجر كل من صلى فيها وذكر الله، والحمد لله على كل حال.. وهذه الجموع التي شهدت جنازته تثلج الصدر ودعاء الناس له وذكرهم له بالخير يشعر الانسان بالراحة ويسليه لفقد حبيبه، واسأل الله ان يهب فقيدنا البشارة النبوية التي رواها البخاري عن ابي الاسود، قال: «قدمت المدينة وقد وقع بها مرض فجلست الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمرت بهم جنازة فأثنى على صاحبها خيرا، فقال عمر وجبت، ثم مرت اخرى فأثنى على صاحبها خيرا، فقال وجبت، ثم مرت أخرى فأثنى على صاحبها شرا، فقال وجبت، فقال ابو الأسود فما وجبت يا أمير المؤمنين قال قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ايما مسلم شهد له اربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة قال وثلاثة قلنا واثنان قال واثنان ولم نسأله عن الواحد».. رحمك الله يا عمي الغالي واسكنك فسيح جناته فإن العين لتدمع وان القلب ليخشع ولا نقول الا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون» ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
alial-abdulhady@hotmail.com
www.qsasa.com
جريدة القبس
علي العبدالهادي