أسهل الطرق إلى السعادة الزوجية
إعداد القسم العلمي بدار الوطن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم
الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد: كثير من الأزواج يشتكون ويكثرون الشكوى: لا
نشعر بسعادة في حياتنا الزوجية.. زوجتي لا تبادلني
الشعور بالحب.. زوجتي سريعة الغضب.. زوجتي لا تهتم
بمظهرها أمامي.. زوجتي أنانية.. زوجتي كثيرة الطلبات..
زوجتي لا تهتم بالفرائض الدينية.. زوجتي ليست على قدر من
العلم والثقافة.. زوجتي تفتعل المشكلات.. زوجتي كثيرة
الشكوك والظنون.. زوجتي تتأخر في تلبية طلباتي.. زوجتي
لا تهتم إلا بأبنائها.. زوجتي تكره عائلتي... وهكذا
دواليك.. سلسلة من الأسباب التي يجعلها الأزواج سبباً في
فشلهم وفقدانهم السعادة الزوجية التي كانوا ينشدونها..
ولو نظرنا في واقع الأمر لوجدنا أن الخطأ ابتدأً هو من
الأزواج أنفسهم، إذ لم يحسنوا الاختيار ولم يدققوا في
صفات من ستشاركهم حياتهم، وستتحمل مسئولية تنظيم حياتهم
وتربية أبنائهم.
قال الشاعر:
فكيف نظن بالأبناء خيراً *** إذا نشئوا بحضن الجاهلات؟!
وهل يرجى لأطفال كمال *** إذا ارتضعوا ثديَّ الناقصات؟!
لا تصنع الأخطاء ولا تضخمها
* وقد تكون أخطاء الزوجة من صنع الزوج نفسه، بحيث يكون
هو المتسبب في حدوث تلك الأخطاء وافتعال تلك المشكلات.
* وقد يكون الزوج من النوع الذي يضخم الأخطاء وينسى
المحاسن، فيجعل من الحبة قبة، ويبني من التصرفات العادية
تلالاً من الأوهام والظنون الفاسدة والشكوك المدمرة،
وعلى من هذا حاله أن يعيد النظر في نفسه أولاً، ويقوم
بإصلاحها وتقويمها حتى تكون جديرة بالحكم على الآخرين،
فمن لم يستطع قيادة نفسه أنىّ له أن يتمكن من قيادة
غيره!
* وعلى كل الأحوال فالصبر على أخطاء الزوجة وهفواتها أمر
مطلوب، وكل إنسان معرض للخطأ والزلل والنسيان.
قال الشاعر:
من ذا الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط؟
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن النقص والاعوجاج من
طبيعة المرأة، وأن المتعامل معها ينبغي ألا يجهل هذه
الطبيعة فيحسن إليها مهما كانت تصرفاتها، قال صلى الله
عليه وسلم : "استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من
ضلع، وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه
كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا"
[متفق عليه].
وفي رواية لمسلم: "إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم على
طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت
تقيمها كسرتها،. وكسرها طلاقها".
قال النووي رحمه الله: وفي هذا الحديث: ملاطفة النساء،
والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف
عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع
باستقامتها، والله أعلم. [شرح صحيح مسلم]
دليلك إلى السعادة الزوجية
كثير من الناس يشعرون أنهم كانوا في عزوبيتهم أسعد حالا
منهم بعد زواجهم، ويكفي أن نعرف أن زيجتين من كل ثلاث
تبوء بالفشل، وذلك للأخطاء التي يرتكبها الزوجان قبل
وبعد الزواج، وإن الزيادة المتنامية في نسب الطلاق-
ناهيك عن الخيانات الزوجية- لتدل بوضوح على تعاظم هذه
المشكلة وحاجتنا جميعا- رجالا ونساء- إلى أسس واضحة يقوم
عليها بناء الحياة الزوجية.
وهذه بعض الخطوات العملية- أقدمها للأزواج- أرجو أن تكون
معينا لهم على نجاحهم في حياتهم الزوجية، هاديا لهم
السعادة الزوجية التي طالما كانوا ينشدونها
قـبل الـزواج
(1) حدد هدفك من الزواج:
هناك فئات كثيرة تفهم الزواج فهما خاطئا أو قاصرا، ولا
تتصور الحكم العظيمة التي شرع من أجلها:
- فمنهم من يرى أنه متعة وشهوة جسدية فحسب.
- ومنهم من يرى أنه سبيل للإنجاب والتفاخر بكثرة
الأولاد.
- ومنهم من يرى أنه فرصة للسيطرة والقيادة وبسط النفوذ.
- ومنهم من يرى أنه فرصة لإعفاف النفس وتكثير سواد
المؤمنين.
- ومنهم من يرى أنه عادة توارثها الأبناء عن الآباء.
وقليل منهم من يرى أنه رسالة! ومسئولية عظمى، وتعاون
مستمر، وتضحية دائمة في سبيل إسعاد البشرية وتوجيهها إلى
الطريق السليم.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم
مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
(13) سورة الحجرات
وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ
أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة
الروم
(2) اظفر بذات الدين:
* قال النبي صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لأربع:
لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين
تربت يداك " [متفق عليه].
* وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "الدنيا متاع، وخير
متاعها المرأة الصالحة" [رواه مسلم].
* وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أربع من السعادة:
المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب
الهنئ. وأربع من الشقاء المرأة السوء، والجار السوء،
والمركب السوء، والمسكن الضيق " [رواه الحاكم والبيهقي
وصححه الألباني].
(3) الودود الولود العؤود:
* وقال صلى الله عليه وسلم :"ألا أخبركم بنسائكم من أهل
الجنة؟ الودود الولود العؤود، التي إذا طلمت قالت: هذه
يدي في يدك، لا أذوق غمضاً حتى ترضى" [رواه الدارقطني
والطبراني وحسنه الالباني].
(4) الهينة اللينة السهلة:
*قال صلى الله عليه وسلم : "ألا أخبركم بمن تحرم عليه
النار غداً؟ على كل هين لين، قريب سهل " [ أخرجه الترمذي
وصححه الألباني ].
(5) العابدة المطيعة:
* قال صلى الله عليه وسلم : "إذا صلت المرأة خمسها،
وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي
الجنة من أي أبواب الجنة شئت " [رواه ابن حبان وصححه
الألباني].
(6) الطاهرة العفيفة:
قيل لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أي النساء أفضل؟
فقالت: التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدي لمكر الرجال،
فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها، ولإبقاء الصيانة على
أهلها.
(7) إياك وهؤلاء:
قال بعض العرب: لا تنكحوا من النساء ستة: لا أنانة، ولا
منانة، ولا حنانة ولا تنكحوا حداقة، ولا براقة، ولا
شداقة.
*والأنانة: هي التي تكثر التشكي والأنين، وتعصب رأسها كل
ساعة.
* المنانة: التي تمن على زوجها فتقول: فعلت لأجلك كذا
وكذا.
*والحنانة: التي تحن إلى زوج آخر، أو ولدها من زوج آخر.
* والحداقة: التي ترمي إلى كل شيء بحدقتها فتشتهيه،
وتكلف الزوج شراءه.
* والبراقة: تحتمل معنيين:
أحدهما: أن تمضي معظم وقتها في تصقيل وجهها وتزيينه
ليكون لوجهها بريق محصل بالصنع.
والثاني: أن تغضب على الطعام، فلا تأكل إلا وحدها،
وتستقل نصيبها من كل شيء.
*والشداقة: المتشدقة الكثيرة الكلام.
(8) حسنة الخلق صابرة:
عن ابن جعدبة قال: كان في قريش رجل في خلقه سوء، وفي يده
سماح، وكان ذا مال، فكان لا يكاد يتزوج امرأة إلا فارقها
لسوء خلقه وقلة احتمالها، فخطب امرأة من قريش جليلة
القدر، وبلغها عنه سوء- فلما انقطع ما بينهما من المهر
قال لها يا هذه! إن في سوء خلق، فإن كان بك صبر، وإلا
فلست أغرك بي. فقالت له أسوأ خلقاً منك لمن يحوجك إلى
سوء
الخلق، ثم تزوجته، فما جرى بينهما كلمة حتى فرق بينهما
الموت.
(9) التكافؤ:
لا تتزوج امرأة ترى أنها تسدي إليك معروفاً بزواجها منك،
واعلم أنك إذا فعلت ذلك فسوف تثحول حياتكما الزوجية إلى
نكل دائم وتعاسة مستمرة. فإما أن ترضخ لزوجتك باعتبارها
صاحبة المعروف والشريك الأعلى، وبذلك تفقد اعتبارك
وإحساسك بالأهمية، وإما أن تطالب بحقك في القوامة
والريادة والمسئولية، وعند ذلك لن تخضع لك شريكتك لأنها
تنظر إليك على الدوام نظرة الشريك الأدنى، ففي كلا
الحالين سوف تنشأ المشكلات، والسلامة ألا تقدم على مثل
هذا الزواج.
(10) التقارب:
لا تتزوج امرأة على نقيضك تماما في الذوق والمشارب
والاهتمامات؛ لأن هذه الأشياء هي التي تكوّن حياتكما
الزوجية متعتها فكلما كانت الشقة بينكما بعيدة كلما فقدت
حياتكما الزوجية متعتها. وكلما تزايدت عاداتكما وصفاتكما
واهتماماتكما المتشابهة كلما قويت سعادتكما وازدادت فرص
نجاحكما.
(11) لا تخف عيوبك عمن اخترتها أن تكون شريكه حياتك، بل
أطلعها على عيوبك كلها، كحدة الطبع، وسرعة الغضب، وشدة
الغيرة التي تجاوز الحد المحمود، والحرص الشديد، وغير
ذلك، فإن رضيت بك على ذلك فهذا شأنها، وربما استطاعت أن
تغير فيك هذه الصفات السلبية وتجعل عوضا عنها صفات
إيجابية. أما إذا لم تظهر سوى صفاتك الحميدة، وطباعك
الرشيدة، وبالغت في كتمان العيوب، فسرعان ما سيتكشف أمرك
بعد الزواج، وستظهر بصورة الكاذب المخادع أمام زوجتك،
وهذا نذير بالخطر المحدق بحياتكما الزوجية.
(13) اتفقا على كل شيء قبل الزواج حتى لا تكثر بينكما
الخلافات بعد الزواج، ومن الأشياء التي يجب الاتفاق
بشأنها:
* طبيعة ومكان وأثاث منزل الزوجية
* كيفية الإنفاق.
* عمل الزوجة.
* خروج الزوجة.
* نظرتكما للمناسبات والعادات الاجتماعية.
* وقبل ذلك الاتفاق على هدفكما من الزواج، بل في الحياة
كلها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات
من صور الإتفاق
روي أن شريحاً القاضي قابل الشعبي يوماً، فسأله الشعبي
عن حاله في بيته فقال له: من عشرين عاماً لم أر ما
يغضبني من أهلي!
قال له: وكيف ذلك؟
قال شريح: من أول ليلة دخلت على امرأتي رأيت فيها حسناً
فاتناً، وجمالاً نادراً، قلت في نفسي: سوف أتطهر وأصلي
ركعتين شكراً لله، فلما سلمت وجدت زوجتي تصلي بصلاتي
وتسلم بسلامي. فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء قمت
إليها فمددت يدي نحوها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية،
كما أنت، ثم قالت الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على
محمد وآله، أما بعد: إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك،
فبين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأتركه، وقالت: إنه كان
في قومك من تتزوجه من نسائكم، وفي قومي من الرجال من هو
كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت
فاصنع ما أمرك به الله، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان،
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولك.
قال شريح: فأحوجتني- والله- يا شعبي إلى الخطبة في ذلك
الموضع فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي
وآله وسلم، وبعد: فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك
حظك، وإن تدّعيه يكن حجة عليك. أحب كذا وكذا، وأكره كذا
وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة
فاستريها.
فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟
قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.
فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له، ومن
تكره فأكره؟
قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال شريح: فبت معها بأنعم ليلة، فمكثت معي عشرين عاماً
لم أعقب عليها في شيء إلا مرة، وكنت لها ظالماً.